JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
ريشة فنان

الفن الخــــــــــام





في عالم تهيمن عليه المعايير الجمالية، النقد الفني، والمؤسسات الأكاديمية، يبرز نوع من الفن ينأى بنفسه عن كل ذلك. إنه "الفن الخام"، أو كما يُعرف عالميًا بـ Art Brut، وهو تعبير فني خارج عن القواعد، لا يهدف إلى نيل الإعجاب أو تحقيق الشهرة، بل ينبع من دوافع داخلية عميقة وصادقة. هذا الفن هو صوت من لا صوت لهم، ومنفذ نفسي عاطفي يتجاوز مفاهيم الفن التقليدي.

الفن الخام:

صاغ المصطلح الفنان الفرنسي جان دوبوفيه (Jean Dubuffet) في الأربعينيات من القرن العشرين، ليصف الأعمال الفنية التي ينفذها أشخاص يعيشون على هامش المجتمع، كالمصابين باضطرابات نفسية، السجناء، الأطفال، أو الأفراد المنعزلين عن الثقافة السائدة. هؤلاء لا يتلقون تدريبًا فنيًا أكاديميًا، ولا يسعون إلى التقدير أو الاحتراف، بل يُبدعون بدافع داخلي بحت.

الفن الخام هو إذًا فن صادق وفطري، لا يعرف التصنّع، ولا يخضع لمقاييس "الجمال" أو "الإبداع" كما يُحدّدها الآخرون.

خصائص الفن الخام:

الصدق العاطفي:التعبير غالبًا ما يكون عن تجربة شخصية مكثفة، مثل الألم النفسي، الذكريات، الهواجس، أو الخوف.

غياب القواعد:لا توجد التزامات بمنظور معين، أو تناسق لوني، أو تقنيات معروفة. الفن الخام يعبّر بحرية مطلقة.

مواد غير تقليدية:قد يستخدم الفنان ما هو متاح  من الورق قديم، جدران، خشب، نفايات، أو حتى أجسام من الحياة اليومية.

تكرار وهوس بالتفاصيل:بعض الأعمال تتسم بتكرار قهري لأشكال أو رموز أو أنماط معينة، وهو انعكاس للحالة النفسية للفنان.

عزلة عن "السوق":لا يُنتج هذا الفن من أجل البيع أو العرض، بل هو نتاج حاجة داخلية للتعبير.

أثر الفن الخام على الحركات الفنية:

رغم أن الفن الخام لا يتبع القواعد المعروفة، إلا أنه أثّر بقوة في الحركات الفنية الكبرى مثل السريالية والتعبيرية، حيث وجد الفنانون الحداثيون فيه مصدرًا للأصالة والتجريب. لقد ألهم هذا الفن كثيرين ليتحرروا من سلطة "المدرسة"، ويعيدوا تعريف الفن بوصفه تجربة داخلية أكثر منه عرضًا خارجيًا.

أهمية الفن الخام:

إعادة تعريف الفن:هل الفن هو ما نراه في المتاحف فقط؟ الفن الخام يقول: لا، الفن يمكن أن يوجد في ذهن مريض نفسي، في جدار سجن، أو على دفتر طفل.

نافذة على النفس:هذه الأعمال تكشف عن العمق الإنساني، وتعكس مشاعر يصعب التعبير عنها بالكلمات.

التنوع الإبداعي:يُثري الفن الخام المشهد الفني العالمي، ويكسر احتكار النخبة للفن والثقافة.

أداة علاج غير مقصود:كثير من الفنانين الخام استخدموا الفن دون وعي كوسيلة للتعامل مع الألم والصراع النفسي.

الفن الخام في العالم العربي:

رغم عدم انتشار المصطلح بشكل كبير في العالم العربي، إلا أن مظاهره موجودة. يمكن رؤية ذلك في رسوم الأطفال في مناطق الصراع، وفي الكتابات الجدارية في الأحياء الفقيرة، وحتى في الأعمال اليدوية التي يصنعها الأفراد دون قصد فني مباشر. هذه التعبيرات لا تقل أهمية عن الفن النخبوي، بل ربما تكون أكثر صدقًا وتأثيرًا.

أمثلة على الفن الخام:

من أبرز الأمثلة على الفن الخام أعمال الفنان السويسري أدولف وولفلي (Adolf Wölfli)، الذي عاش داخل مصحّ نفسي معظم حياته، وأنتج آلاف الرسومات والنصوص التي دمجت الخيال والهوس والهندسة. كذلك هنري دارغر (Henry Darger)، عامل النظافة الأمريكي الذي عاش وحيدًا وكتب ورسم عالمًا تخيليا ضخمًا لم يكتشفه أحد إلا بعد وفاته.

هذه الأعمال لم تُنشأ بغرض العرض، لكنها الآن تُعرض في المتاحف العالمية، وتثير إعجاب المتخصصين في الفن وعلم النفس على حد سواء.

الفن الخام ليس فنًا "منحرفًا" عن القاعدة، بل هو فن يرفض وجود قاعدة من الأساس. إنه دعوة مفتوحة لفهم الفن كفعل إنساني غريزي، لا يحتاج إلى أدوات احترافية أو قاعات عرض، بل فقط إلى شعور داخلي بالحاجة إلى التعبير. في زمن تُقاس فيه قيمة الفن بالسوق والشهرة،  فالفن الخام هو أصدق و أعظم أشكال الجمال.


NameE-MailNachricht